الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **
قال: قد بينا فيما سبق أنه ينبغي للأمير أن يعرض الجيش حين دخل دار الحرب فيكتب أصحاب الخيل بأسمائهم وأسماء آبائهم وحلاهم ويكتب الرجالة كذلك لأن سبب الاستحقاق ينعقد لهم الآن وهو محتاج إلى معرفة حال كل واحد منهم عند ذلك ليتمكن من القضاء بينهم بالحق. ثم إذا رجعوا إلى ذلك الموضع عرضهم أيضاً لأن القسمة إنما تكون بعد الإحراز بدار الإسلام فلا بد أن يعرضهم عند ذلك ليتمكن من القسمة بينهم وهذا لأنه يشق عليه عرضهم في كل يوم فلدفع المشقة يكتفي بالعرض عند انعقاد السبب ابتداء وعند تأكد الحق بالإحراز. فمن مر به في العرض الثاني راجلاً وقد كان في العرض الأول فارساً سأله عن فرسه ما حاله. فإن قال: عقر أو نفق أو أخذه المشركون فالقول قوله مع يمينه لأنه يتمسك بما عرف ثبوته وانعقاد سبب الاستحقاق له معلوم وأصحابه بقولهم: إنه باع فرسه يدعون عليه ما يبطل استحقاقه من معنى هو عارض وهو منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه حتى يثبت العارض المسقط. فإن شهد شاهدان من المسلمين أنه باع فرسه قبل إصابة الغنيمة فقد ثبت بالحجة العارض المسقط لاستحقاقه والثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو عايناه أنه باع فرسه قبل إصابة الغنيمة لم يستحق به السهم. إلا في رواية شاذة عن أبي حنيفة برواية الحسن. وقد بينا هذا في " شرح المختصر ". ويستوي إن كان الشاهدان من أهل العسكر أو من التجار لأن شركتهم في الغنيمة قبل القسمة شركة عامة. فإنهم لا يملكون شيئاً قبل القسمة وبمثل هذه الشركة لا تتمكن التهمة في الشهادة كما في مال بيت المال. فإذا حضر الرجل بفرسه دار الحرب غازياً فغضب مسلم فرسه وأدخله دار الحرب ثم وجد المغضوب منه فرسه في دار الحرب وأقام عليه البينة فأخذه ففي القياس ليس له إلا سهم الرجالة لأنه كان راجلاً حين انعقد له سبب الاستحقاق بدخول دار الحرب إذا لم يكن في يده فرس يتمكن من القتال عليه إن لو احتاج إليه وقد أثبت اسمه في ديوان الرجالة فلا يتغير حاله بعد ذلك بعود الفرس إلى يده وتمكنه من القتال عليه في دار الحرب بمنزلة ما لو اشترى فرساً. وفي الاستحسان له سهم الفرسان لأنه التزم مؤنة الفرس للقتال عليه حين خرج من أهله فارساً وقاتل وهو فارس أيضاً فلا يحرم سهمه بعارض غضب فيما بن ذلك يزيل تمكنه من القتال عليه كما لو مرض فرسه. أرأيت أنه لو بقي بينه وبين دخول دار الحرب مقدار نصف ميل فنزل ليقضي حاجته ودخل دار الحرب فاتبعه الرجل فأخذه أكان يحرم سهم الفرس أرأيت لو أنه حين عار الفرس أخذه مسلم فركبه أو لم يركبه. حتى دخل دار الحرب ثم وجد صاحبه فأخذه منه أكان يحرم سهم الفرس لا يستجيز أحد أن يقول: بهذا القدر يحرم سهم الفرس. فكذلك الأول ولكنه إن مر بالذي يعرضهم وهو راجل وأخبره هذا الخبر لم يصدقه على قوله وكتبه راجلاً لأنه يعلمه راجلاً حقيقة وما أخبر به محتمل للصدق والكذب فلا يدع الحقيقة لأجله. فإن كتبه راجلاً ثم مر به في العرض الثاني وهو فارس فقال: هذا الفرس الذي كنت أخبرتك خبره لم يصدقه بقوله لأنه يدعي استحقاق سهم الفرس بسبب لم يعرف والاستحقاق بمجرد قوله لا يثبت فيحتاج إلى إقامة البينة على ما ادعى من ذلك وإذا أقام البينة كان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة. ولو أن الغاصب حين أدخل فرس الغازي دار الحرب قاتل عليه حتى غنم المسلمون وخرجوا فإنه يضرب له في الغنيمة بسهم الفارس لأنه التزم مؤنة الفرس للقتال عليه وحقق ذلك بالقتال فإن مؤنة المغصوب على الغاصب ما لم يرده. ولا فرق في التمكن من القتال حساً بين الفرس المغصوب والفرس المملوك له ثم يرد الفرس إلى صاحبه ويغرم له ما نقص إن كان نقص شيء لأن ما استحق من السهم إنما استحقه لقتاله على الفرس فهو بمنزلة ما لو أجر المغصوب وأخذ الأجر فإنه يكون مملوكاً له وليس للمغصوب منه على الأجر سبيل و إنما له نقصان الفرس إن تمكن فيه نقصان فهذا مثله. ولا يضرب لصاحب الفرس في الغنيمة إلا بسهم راجل لأنه ما كان متمكناً من القتال على الفرس في موضع من دار الحرب ولأن بالفرس الواحد لا يستحق رجلان كل واحد منهما السهم الكامل وقد استحق الغاصب السهم بهذا الفرس فلا يستحق المالك به شيئاً. ولو كان غصبه منه بعدما دخل دار الحرب والمسألة بحالها فلصاحب الفرس سهم فارس لأن زوال تمكنه من القتال على الفرس بالغصب بعدما جاوز الدرب كزوال تمكنه بموت الفرس. والغاصب لا يضرب له إلا بسهم راجل لأن المالك لما جعل فارساً بهذا الفرس فغيره لا يكون فارساً به أيضاً. ولأنه لو اشترى فرساً في دار الحرب لم يستحق به سهم الفرسان فإذا غصب فرساً أخرى أن لا يستحق به سهم الفرسان أولى. ولو غصب الفرس قبل مجاوزة الدرب ثم أصابوا في دار الحرب غنائم والفرس قي يد الغاصب ثم استحقه المالك وأصابوا غنائم بعد ذلك بقتال أو بغير قتال. ففي الغنائم الأولى يضرب للغاصب بسهم فارس لأنه انفصل إلى دار الحرب فارساً وقاتل حين أصيبت تلك الغنائم وهو فارس فيستحق سهم الفرسان. ويضرب فيها لصاحب الفرس بسهم راجل. لما بينا أنه لا يكون بالفرس الواحد فارسان. وما أصابوا من الغنائم بعدما استحق صاحب الفرس فرسه فإنه يضرب لصاحب الفرس فيه بسهم الفارس لأنه استرده قبل هذه الوقعة فهو قياس ما لو استرده قبل أن يلقوا قتالاً فيما أصيب بعد ذلك ويضرب للغاصب فيها بسهم راجل لأن صاحب الفرس لما كان فارساً في هذه الغنيمة بهذا الفرس لم يكن غيره فارساً بها ولأن الفرس أخذ من يده بحق مستحق كان سابقاً على دخوله دار الحرب ولو أخذ بحق مستحق اعترض بعد دخوله بأن باعه يخرج من أن يكون فارساً فيما يصاب بعد ذلك فهاهنا أولى. وكذلك إن لقوا قتالاً فقاتل صاحب الفرس عن الغنائم الأولى بعدما استرد فرسه فإنه لا يضرب له فيها إلا بسهم راجل. لأن حقه كان ثابتاً في الغنائم الأولى بقدر سهم راجل فهو ما قاتل إلا دفاعاً عن ذلك الحق فلا يزداد به حقه ولا يبطل ما كان مستحقاً للغاصب من سهم فرسه. ولو كان صاحب الفرس حين جاء يريد دخول دار الحرب أعار مسلماً فرسه وقال: قاتل عليه في دار الحرب. فلما أدخله المستعير دار الحرب بدا للمعير فأخذه منه قبل لإصابة الغنيمة أو بعدها فلصاحب الفرس في جميع ذلك سهم راجل لأنه أزال الفرس عن يده باختياره قبل مجاوزة الدرب وإنما انعقد له سبب الاستحقاق عند مجاوزة الدرب وهو راجل ثم لا يتغير بعد ذلك باسترداد الفرس كما لا يتغير بشراء الفرس. وليس هذا نظير ما استحسنا فيه من فصل الغصب فإن هناك ما أزال يده باختياره وبينهما فرق. ألا ترى أنه لو دخل دار الحرب 6 فارساً ثم أخذ المشركون فرسه استحق سهم الفرسان ولو باع فرسه لم يستحق سهم الفرسان. وما كان الفرق إلا بهذا إن تمكنه في أحد الموضعين زال في أحد الموضعين لا باختياره وفي الموضع الآخر وأما المستعير فله سهم الفارس له وهو فارس والإصابة وجدت وهو فارس أيضاً وقد قررنا هذا في الغاصب ففي المستعير أولى. وأما ما أصيب بعد رد الفرس في ذلك سهم راجل لأن الفرس أخذ منه بحق مستحق سابقاً على دخوله دار الحرب وذلك يخرجه من أن يكون فارساً فيما يصاب بعد ذلك. ولو نفق الفرس عند المستعير ضرب له في الغنائم كلها بسهم فرس لأنه كان فارساً حين انعقد له السبب ثم لم يؤخذ منه بحق حتى نفق في يده فيكون هو كالمالك في ذلك. وإن أخذه المشركون من يده فأحرزوه ثم أخذه المسلمون فردوه عليه فإنه يعود إلى يده كما كان حتى إذا أصابوا غنائم ثم قبل أن يردوه على المعير كان له سهم الفرسان في ذلك. وإن رده إلى المعير ثم أصيبت الغنائم بعد ذلك فله سهم راجل وذلك بمنزلة ما لو لم يأخذه المشركون أصلاً. ولو كان صاحب الفرس دخل بالفرس أرض الحرب ثم أعاره غيره فلم يزل معه يقاتل عليه حتى نفق وقد أصاب المسلمون غنائم قبل ذلك وبعده فلصاحب في ذلك كله سهم فارس لأنه دخل دار الحرب ملتزماً مؤنة الفرس للقتال عليه فإن بإعارته الفرس من غيره للقتال بعدما دخل دار الحرب لا يخرج من أن يكون قصده القتال على الفرس بخلاف ما إذا باعه فإنه يتبين بالبيع أن قصده كان التجارة لا القتال عليه وإذا ثبت أن للمعير سهم الفارس في جميع ذلك ثبت أن للمستعير سهم الرجالة لأنه لا تكون بالفرس الواحد فارسان ولأن استعارة الفرس في دار الحرب لا يكون فوق شراء الفرس. ولو لم يدخل صاحب الفرس دار الحرب حتى أعاد رجلاً فرسه ليركبه من غير أن يقاتل عليه فركبه حتى دخل أرض الحرب ثم رده على صاحبه فصاحب الفرس في ذلك كله فارس لأنه دخل دار الحرب وهو متمكن من القتال على الفرس إن لو احتاج إليه فإنه يسترده من المستعير متى شاء وقد استرده وقاتل فارساً فيستحق سهم الفرسان. والمستعير راجل في ذلك كله لأنه ما كان متمكناً من القتال على الفرس عند مجاوزة الدرب فإنه استعاره للركوب لا للقتال عليه. بخلاف الأول فإن هناك إذا قاتل حتى أصيبت الغنائم قبل الرد استحق سهم الفرسان لكونه متمكناً من القتال على الفرس. وبهذا يتضح الفرق أيضاً في حق المعير. فإن في الفصل الأول المستعير لما كان فارساً بهذا الفرس عرفنا أن المعير ليس فارساً به وفي الفصل الثاني وهو الإعارة للركوب المستعير لم يصر فارساً به في استحقاق السهم فجعلنا المعير فارسا ًبه لتمكنه من أخذه متى شاء. ولو كان المستعير حين دخل دار الحرب ادعى أن الفرس له وجحد حق صاحبه وقاتل على الفرس حتى أصيبت الغنائم ثم أقام المعير البينة وأخذ فرسه فصاحب الفرس فارس في ذلك كله لأن المستعير بالجحود صار غاصباً وإنما جحد في دار الحرب فكان هذا بمنزلة ما لو غصب الفرس من صاحبه في دار الحرب ابتداء. وقد بينا صاحب الفرس بهذا الغصب لا يخرج من أن يكون فارساً والغاصب به لا يصير فارساً فكذلك هاهنا. ولو كان صاحب الفرس آجره من رجل أياماً ليركبه حين يدخل دار الحرب وانقضت الإجازة قبل إصابة الغنائم أو بعدها فصاحب الفرس راجل في جميعها لأنه حين دخل دار الحرب لم يكن متمكناً من القتال على الفرس فقد أوجب للمستأجر فيه حقاً مستحقاً وبه فارق الإعارة. فإذا استرده بعد انقضاء المدة في حكم المشتري للفرس الآن فلا يصير به فارساً والمستأجر راجل أيضاً في جميع الغنائم لأنه ما استأجره للقتال عليه وإنما استأجره للركوب فلم يصر به متمكناً من القتال على الفرس أن لو احتاج إليه فهو بمنزلة ما لو استأجره ليحمل عليه ثقله. ولو استأجره شهراً أو أكثر ليركبه ويقاتل عليه والمسألة بحالها فصاحب الفرس راجل في جميع ما يصاب إلى أن يخرجوا إلى دار الإسلام. لما بينا أنه دخل دار الحرب ولغيره حق مستحق في فرسه فلا يكون متمكناً من القتال عليه. وأما المستأجر فهو فارس فيما أصيب قبل انقضاء الإدارة لأنه دخل دار الحرب على فرس هو متمكن من القتال عليه حقيقة وحكماً وأصيبت الغنائم في حال بقاء تمكنه. فأما ما أصيب بعد انقضاء مدة الإجازة فليس له فيها إلا سهم راجل لأن الفرس أخذ من يده بعد انقضاء المدة بحق مستحق كان سابقاً على دخوله دار الحرب فيخرج من أن يكون فارساً به. ولو كان صاحب الفرس دخل به أرض الحرب فأصابوا غنائم ثم آجره من رجل للركوب أو القتال عليه مدة معلومة وأصابوا غنائم ثم استرده بعد انقضاء المدة فأصابوا غنائم أيضاً فإن المستأجر راجل في جميع ذلك لأن استئجاره الفرس بعد دخوله دار الحرب لا يكون أقوى من شرائه. وأما صاحب الفرس فهو فارس فيما أصيب قبل أن يؤجر فرسه لأنه دخل الدار فارساً وأصيبت تلك الغنائم وهو فارس أيضاً فاستحق سهم الفرسان ثم إجازة الفرس بعد ذلك لا تكون أقوى من بيعه. وهو فارس أيضاً فيما أصيب بعد انقضاء المدة لأن بالإجازة لم يخرج الفرس من ملكه وقد باشر القتال عليه فارساً كما انعقد له سبب الاستحقاق حين جاوز الدرب. فأما فيما أصيب في مدة الإجازة فهو راجل لأن الفرس أخذ منه بحق أوجبه لغير باختياره وقد زال به تكنه من القتال عليه فيجعل كأنه باعه فيما أصيب في هذه المدة إذ الإجازة كالبيع في إزالته تمكنه من القتال عليه. وكذلك إن لقوا قتالاً بعد انقضاء المدة فقاتل فارساً عن ذلك المصاب لأن له فيها سهم راجل وإنما قاتل دفعا عن سهمه فلهذا لا يزداد حقه في تلك الغنائم بهذا القتال. وإذا صب مسلم من مسلم فرساً ولم يكن من قصد صاحبه أن يدخل دار الحرب بالفرس. فأدخله الغاصب دار الحرب. ثم بدا للمغصوب منه فاتبعه وأخذ الفرس منه وقد كانوا أصابوا غنائم قبل أن يأخذ فرسه وأصابوا بعد ذلك فصاحت الفرس راجل في جميع ذلك لأنه دخل دار الحرب راجلاً ثم استرداده الفرس في دار الحرب بمنزلة شرائه وهذا بخلاف المستحسن المذكور في أول الباب فإن هناك كان ملتزماً مؤنة الفرس لجل القتال عليه حتى دنا من دار الحرب ثم أخذه الغاصب بغير اختياره فإذا استرده منه جعل ما اعترض كأن لم يكن وهاهنا ما كان ملتزماً مؤنة الفرس للقتال عليه قبل أن يدخل دار الحرب ولا عند دخوله دار الحرب فلم يكن فارساً به أصلاً وإنما صار ملتزماً مؤنته للقتال عليه حين استرده في دار الحرب فكأنه اشتراه الآن. وأما الغاصب فهو فارس فيما أصيب قبل استرداد الفرس منه لأنه دخل الدار فارساً وأصيبت هذه الغنائم وهو فارس فثبت له فيها سهم الفرسان. ثم لا يتغير ذلك باستحقاق الفرس من يده وهو راجل فيما أصيب بعد ذلك لأن الفرس أخذ منه بحق. وكذلك لو كان صاحب الفرس أعاره إياه ليقاتل عليه ثم بدا له فغزا بنفسه فلما التقيا في دار الحرب استرد الفرس منه فهذا كالأول في جميع ما ذكرنا لأن صاحب الفرس دخل دار الحرب راجلاً فيكون راجلاً إلى أن يخرج وهذا لأنه حين دخل الغزو لم يكن الفرس في يده أصلاً ولا كان هو ملتزماً مؤنته فإن مؤنة المستعار على المستعير حتى يرده على صاحبه. ولو كان أعاره إياه للركوب لا للقتال عليه. والمسألة بحالها فهذا والأول في حق صاحب الفرس سواء وأما المستعير فهو راجل في جميع الغنائم هاهنا لأنه ما كان متمكناً من القتال على هذا الفرس فقد استعاره للركوب لا للقتال عليه. فإن غدر صاحبه حين دخل دار الحرب فقاتل عليه فهو راجل أيضاً لأنه صار غاصباً للفرس بالقتال عليه بعدما دخل دار الحرب وقد بينا أن من غصب فرساً بعدما دخل دار الحرب قاتل عليه لم يستحق به سهم الفرسان. وأما صاحب الفرس فهو راجل في جميع الغنائم لأن الإعارة للركوب والإعارة للقتال قبل قصد الغزو في حقه سواء. فإنه في الموضعين لم يصر ملتزماً مؤنة الفرس للقتال عليه إلا بعد دخول دار الحرب فلهذا لا يكون له إلا سهم راجل في جميع ذلك ولأنه حين قصد الغزو ما كان يدري أنه يصيب فرسه أو لا يصيبه. وإنما استحسنا فيما إذا حضر ليدخل دار الحرب غازيا ًثم أعاره غيره ليركبه فجعلناه فارساً إذا استرده منه بعدما دخل دار الحرب. وجعلنا هذا بمنزلة ما لو مر براجل لا يقدر على المشي فحمله على فرسه أميالاً حتى دخلوا دار الحرب ثم أنزله وأخذ فرسه فلا إشكال في هذا الفصل أنه يكون هو فارساً. فكذلك فيما يكون في معناه. ولو كان آجره ليركبه ولا يقاتل عليه أو يقاتل والمسألة بحالها فصاحب الفرس راجل في جميع الغنائم لأنا قد بينا إذا كان حضر يريد الدخول للقتال ثم أجر فرسه حتى أدخله المستأجر دار الحرب أن صاحب الفرس يكون راجلاً في جميع الغنائم فهاهنا أولى لأنه ما بدا له قصد الغزو إلا والفرس في يد المستأجر بحق مستحق. وأما المستأجر فإن كان استأجره للركوب فكذلك الجواب. وإن كان استأجره للقتال عليه فهو فارس فيما يصاب قبل انقضاء مدة الإجازة راجل فيما يصاب بعد ذلك لأن الفرس أخذ منه بحق مستحق. إلا أن يكون منع الفرس من صاحبه بعد انقضاء المدة أو جحد إياه فحينئذ هو فارس في جميع الغنائم وكذلك المستعير لأنهما دخلا فارسين فكانا فارسين حتى يؤخذ الفرس منهما بحق وهذا لأنهما صارا غاصبين بالمنع. وقد بينا أن ابتداء سبب الاستحقاق ينعقد له بالفرس المغصوب إذا قاتل عليه فلأن يبقى له ما كان منعقداً من السبب بالفرس المغصوب كان أولى فإن حالة البقاء أسهل من حالة الابتداء. ولو أن رجلاً آجر فرساً يغزوا عليه على أن يكون سهم الفرس لصاحب الفرس فهذا إجارة فاسدة لأن ما يصاب مجهول الجنس جهالة فاحشة. ثم الإجارة الفاسدة تعتبر بالجائزة في الحكم فيكون سهم الفرس للمستأجر ولصاحب الفرس أجر مثله بالغاً ما بلغ لأن المستأجر استوفى المعقود عليه بحكم عقد فاسد. وكذلك لو كان أعاره إياه بهذا الشرط لأن هذا اشتراط الأجر عليه وعند اشتراط الأجر لا فرق بين لفظ الإجارة ولفظ الإعارة. ولو لم يصيبوا شيئاً حتى خرجوا كان على المستأجر مثله ايضاً لأنه استوفى المعقود عليه بحكم إجارة فاسدة فيلزمه أجر المثل أصاب شيئاً أو لم يصب وهو بمنزلة المضارب في المضاربة الفاسدة إذا عمل فإنه استوجب أجر المثل حصل الربح أو لم يحصل. ولو استأجر رجلاً يغزو عنه مدة معلومة بأجر مسمى أو لم يذكر المدة وقال: هذه الغزوة إلى حيث يبلغ المسلمون فهذا العقد باطل. لما بيننا أن الجهاد من باب العبادات فإنه سنام الدين والاستئجار على الطاعات باطل. وهو فرض كفاية فمن باشره مؤدياً فرضاً عليه. ثم السهم الأخير للأجير شرطه المستأجر لنفسه أو لم يشترط لأن الاستئجار لما بطل صار كأن لمن فيكون السهم للغازي. وإن كان أخذ الأجر من المستأجر رده عليه لأن العقد باطل وبالعقد الباطل لا يجب الأجر أصلاً ولأنه في الغزو كان عاملاً لنفسه فلا يستوجب الأجر على غيره. وإن كان دفع إليه سلاحه وفرسه فعلى الأجير أجر مثل فرسه وأجر مثل سلاحه بالغاً ما بلغ وإن كان الشرط بينهما أن السهم للمستأجر لأنه شرط لنفسه بإزاء منفعة الدابة والسلاح عوضاً مجهولاً وقد استوفى الأجير تلك المنفعة بعقد فاسد فعليه أجر المثل. وإن كان المستأجر لم يشترط السهم لنفه فليس على الأجير من أجر السلاح والدابة شيء لأن المستأاجر ما شرط لنفسه عوضاً مالياً فيكون هو معير الفرس والسلاح منه أو باذلاً ليقاتل به في سبيل الله فلا يستوجب أجراً على من استعمله في القتال. ولو استأجر فرساً ليركبه ويقاتل عليه مدة معلومة أو استأجر غلاماً لخدمه في دار الحرب مدة معلومة ببدل معلوم فهو جائز سواء مسمي لكل يوم أجراً على حدة أو لم يسم لأن المعقود عليه معلوم ببيان المدة والبدل معلوم وليس في هذا العقد من معنى الطاعة وإقامة الفرض فيصح الاستئجار. وإن لم يبين المدة ولكن قال: استأجره لغزاتي هذه حتى أرجع إلى موضع كذا فهذا فاسد. لأن المعقود عليه مجهول فإنه لا يدري إلى أين يبلغ المسلمون ويطول مقامهم أو يقصر ولو استوفى المنفعة على هذا الشرط فله أجر المثل على المستأجر لأن العقد هاهنا منعقد لوجود المعقود علي. ولكنه فاسد للغرور والجهالة. فيستوجب أجر المثل بالغاً ما بلغ لأن الأجر وإن كان مسمى فصاحب الدابة يقول: أنا ما رضيت بهذا المسمى إلى الموضع الذي انهيتم إليه وقد كان عندي أنكم ترجعون قبل الوصول إلى ذلك الموضع فلهذا يستحق أجر المثل بالغاً ما بلغ. ولو أن رجلاً في يده أفراس حبس في سبيل الله فأعطى أقواماً منها أفراساً يغزون عليها في سبيل الله والذي في يده كان القيم في ذلك يعطى من شاء ويأخذ ممن شاء فلما دخلوا دار الحرب أخذها منهم ودفعها إلى غيرهم وقد كان السلمون أصابوا غنائم قبل أن يأخذوها وغنائم بعد ذلك فهم سهم الفرسان فيا أصيب قبل أخذ الأفراس منهم ولهم سهم الرجالة فيما أصيب بعد ذل. والمراد بالأفراس الحبس الموقوفة للجهاد وذلك جائز. أما على أصل محمد ظاهر كثياب الجنازة والآلات التي يغسل بها الموتى فكذلك يجوز في الأفراس التي يقاتل عليها في سبيل الله. والأصل فيه ما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه حين قبض كان في يده ثلاثمائة فرس مكتوب على أفخاذها: حبس في سبيل الله. ثن الغازي على مثل هذا الفرس قد دخل دار الحرب وهو متمكن من القتال على الفرس ودام تمكنه إلى أن أصيبت الغنائم فيستحق سهم الفرس بمنزلة المستعير. ثم أخذ الفرس منه بعد ذلك بحق مستحق فلا يبقي فارساً فيما يصاب بعد ذلك كالمستعير ويستوي إن كان القيم هو الذي يسترده منه في دار الحرب أو الواقف. ثم لا يصير الواقف ولا القيم به فارساً لأنه إنما استرده في دار الحرب وهذا لا يكون أقوى في حقه من شراء الفرس فكذلك إن دفعه إلى راجل آخر لم يصر به فارساً كما لو اشتراه في دار الحرب. ولو أن رجلاً في يده خيل حبس آجرها ليقاتل عليها في سبيل الله وهي له أو ليست له فقد أساء فيما صنع لأن من جعلها حبساً فقد جعلها لله خالصاً بمنزلة من جعل أرضه مسجداً فلا يجوز التصرف فيها بالإجارة لاكتساب المال بعد ذلك. لأن صاحبها إنما أعدها لاكتساب الأجر في الآخرة بالقتال عليها في سبيل الله فاكتساب القيم المال بها في الدنيا يكون تغييراً للشرط. وقال الله تعالى: وسبيل مثله التصدق به. وإن عطبت تحت بعض من استأجرها أو عقرها العدو ضمن الذي آجرها قيمة الفرس وإن شاء الوالي ذلك وإن شاء ضمن المستأجر القيمة لأن كل واحد منهما متعد بمنزلة الغاصب يؤاجر المغصوب فيتلف في استعمال المستأجر. فإن ضمن المستأجر رجع بالقيمة على الأجر لأنه صار مغروراً من جهته بسبب عقد ضمان. وإن ضمن الآجر لم يرجع على المستأجر بشيء ثم يشتري بهذه القيمة فرساً مكانه فيجعل حبيساً لأنه قائم مقام الأول فإن القيمة إنما تسمى قيمة لقيامها مقام العين. والعين حبيساً في سبيل الله فيجعل بله بتلك الصفقة أيضاً كما لو قتل وغرم القاتل القيمة. وإنما يصير البدل بتلك الصفة إذا اشترى به الفرس فجعل حبيساً لأن الفرس والسلاح لا يكون حبيساً حتى يخرجه صاحبه من يده لأن هذا بمنزلة الوقف والتسليم إلى المتولي شرط لتمام الوقف في قول محمد - رحمه الله - وهو قول ابن أبي ليلى. فإذا سلمه إلى القيم لم يكن له أن يرجع فيه وإن كان اشترط الذي جعله حبيساً أن التدبير فيه إليه بعد موت القيم أو يكون هو القيم فيه حتى يموت فذلك جائز لأن التسليم شرط لإتمام الوقف وقد وجد فالعود إلى يده بعد ذلك لا يضر. واستدل على جواز الحبس في العراك والسلاح بما بلغه عن علي وابن مسعود والشعبي والنخغي - رضي الله عليهم - إنما أجازوا ذلك. فإن أعطي رجلاً فرساً حبيسا ًيغزو عليه فدخل دار الحرب وأصابوا الغنائم ثم أخذ الفرس منه ثم أصابوا غنائم بعد ذلك فإنما يضرب له في الغنيمة الأولى بسهم الفارس وفي الغنيمة الثانية بسهم الراجل لأن الفرس أخذ منه بحق. وأما القيم إذا لم يكن في يده فرس آخر حين دخل دار الحرب فإنه يضرب له بسهم راجل في جميع الغنائم لأنه دخل الدار راجلاً فلا يصير فارساً بعد ذلك بأخذ الفرس من يد الغازي كما لا يصير فارساً بشراء فرس.
رجل وهب لرجل فرساً في دار الإسلام فقبضه الموهوب له ودخل به مع العسكر دار الحرب فأصابوا غنائم ثم أراد الواهب أن يرجع فرسه فله ذلك لأن الموهوب قائم عند الموهوب له على حاله ولم يصل إلى الواهب عوض من جهته فيثبت له حق الرجوع فيه لتمكن الخلل في مقصوده. فإن رجع فيه ثم أصابوا غنائم بع ذلك وقد كان الواهب دخل الدار راجلاً فالواهب راجل في الغنائم كلها لأنه انفصل إلى دار الحرب راجلاً ولا معتبر بتحصيل الفرس في دار الحرب في استحقاق السهم به. وأما الموهوب له فهو فارس في الغنائم الأولى لأنه انفصل فارساً وأصيبت تلك الغنائم وهو فارس. وهو راجل في الغنائم الأخرى لأن الفرس أخذ من يده بحق مستحق. فإن حق الواهب ثابت في الرجوع شرعاً ما لم يتصل إليه العوض. فإن قيل: قد انفصل هو على فرس مملوك له ثم أزيل ملكه في دار الحرب لا باختياره فينبغي أن لا يخرج به من أن يكون فارساً كما لو أخذه أهل الحرب فأحرزوه. قلنا: إنما أخذ الفرس منه بحق مستحق شراعاً. وذلك الحق كان سابقاً على دخوله دار الحرب فيخرج من أن يكون متمكناً من القتال على الفرس مطلقاً وإنما كان تمكنه من القتال على الفرس مقيداً بما قبل رجوع الواهب. ولهذا لو رجع الواهب قبل أن يصيبوا شيئاً لم يكن الموهوب له فارساً بعد رجوعه وكذلك إذا رجع بعدما أصيب بعض الغنائم. ولو جعل هو فارساً بهذا المقدار أدى إلى القول بأن من كان معه عشرة أفراس فوهب من كل رجل من الرجالة فرساً حتى دخلوا عليها دار الحرب ثم استرد الأفراس منهم أن يكونوا فرساناً بذلك القدر فيما يصيبون وهذا بعيد فإن من قال بهذا البعد لم يجد بداً من أن يقول: إذا أعاد الأفراس منهم ثم استردوها في دار الحرب كانوا فرساناً أيضاً إذ في كل واحد من الموضعين عند الانفصال كانوا متمكنين من القتال على الأفراس إلى أن يرجع فيها صاحبها وعلى هذا لو اشترى فرساً فاسداً فقبضه ودخل عليه دار الحرب لأن حق البائع في الاسترداد ثابت لفساد البيع كحق الواهب في الرجوع بل أظهر. فالبائع هاهنا مأمور بالاستيراد شرعاً والواهب منهي من الرجوع ندباً. ثم هناك بالاسترداد يخرج الموهوب له من أن يكون فارساً فيما يصاب بعد ذلك فهاهنا أولى. ولو كان البيع صحيحاً ثم استحق الفرس من يد المشتري في دار الحرب بالحجة فهذا بمنزلة البيع الفاسد لأنه أخذ منه بحق مستحق كان ثابتاً قبل دخوله دار الحرب ولأنه تبين بالاستحقاق أنه كان غاصباً للفرس فإذا استرده المغصوب منه يخرج هو من أن يكون فارساً به. وكذلك رجلان اشترى أحدهما من صاحبه فرساً ببغل وتقاضيا فلما دخلا دار الحرب وجد العيب بأحدهما فرد بالعيب بقضاء أو بغير قضاء. فما كانوا غنموا قبل التراد يضرب فيه لمشتري الفرس سهم الفرس سواء كان هو الراد أو المردود عليه وما أصيب بعد التراد يضرب له فيه بسهم راجل لأنه إن كان هو الراد فقد أزال الملك عن فرسه باختياره. وإن كان هو المردود عليه فقد أخذ الفرس من يده بحق فأما مشتري البغل فهو راجل في الغنيمتين جميعاً لأنه دخل دار الحرب راجلاً. وعلى هذا لو تقايلا البيع أو كان أحدهما لم ير ما اشترى فرده بخيار الرؤية او كان مشتري الفرس قبض الفرس ولم يسلم البغل حتى هلك عنده فرد الفرس في دار الحرب بعدما أصاب بعض الغنائم لأن ملكه أزيل بسبب مستحق فيخرج به من أن يكون فارساً فيما يصاب به بعد ذلك. ولو رهن في دار الإسلام فرساً من رجل بدين له عليه ثم دخلا دار الحرب مه العسكر فقضي الراهن المرتهن ماله وأخذ الفرس فقاتل عليه فهما راجلان: أما المرتهن فلأنه لم يكن متمكناً من القتال على الفرس المرهون فلا يكون هو فارساً به. وأما الراهن فلأنه لم يكن متمكناً من القتال على فرسه حين دخل دار الحرب لأن عقد الرهن يوجب ملك اليد للمرتهن حتى لا يتمكن الراهن من إثبات يده على المرهون ما لم يقض دينه. ولو كان إنما رهن الفرس في دار الحرب بعد إصابة بعض الغنائم ثم أصيبت غنيمة أخرى ثم قضى الدين واسترد الفرس ثم أصيبت غنيمة أخرى فهو فارس في الغنيمة الأولى والآخرة راجل في الغنيمة الوسطى لأنه أزال تمكنه من القتال على الفرس باختياره مع قيام ملكه فيكون بمنزلة ما لو آجره في دار الحرب وقد بينا الإجازة في هذا الفصل وقررنا المعنى فيه فالرهن قياسه لأن كل واحد من العقدين يوجب استحقاق اليد على صاحب الفرس مع قيام ملكه. ولو باع فرسه في دار الحرب بعد إصابة بعض الغنائم ثم أصيبت غنيمة أخرى ثم وجد المشتري به عيباً ورده بقضاء أو بغير قضاء ثم أصيبت غنيمة أخرى فصاحب الفرس فارس في الغنيمة الأولى والأخرى راجل في الغنيمة الوسطى لأنه أزال تمكنه من القتال عليه بإخراجه من ملكه فسواد عاد إليه بسبب هو فسخ من كل وجه أو بسبب هو فسخ في حقه بيع جديد في حق غيره لا يتبين به أنه كان متمكناً من القتال عليه حين أصيبت الغنيمة الوسطى. فإن قيل: كان ينبغي أن يكون راجلاً في الغنيمة الثالثة أيضاً لأن البيع يتبين أن التزامه مؤنة الفرس كان لقصد التجارة لا لقصد القتال عليه فبعد ذلك وإن عاد الفرس إلى يده يجعل كالمشتري للفرس الآن ابتداء ولو دخل دار الحرب راجلاً ثم اشترى فراً لم يستحق سهم الفرسان. قلنا: بيعه الفرس في دار الحرب محتمل يجوز أن يكون لقصد التجارة ويجوز أن يكون لقصد استبدال هذا الفرس بفرس آخر يكون أقوى منه في القتال عليه فما انعقد له من سبب الاستحقاق لا يبطل بهذا المحتمل وإنما يبطل بما هو متيقن به وهو زوال تمكنه من القتال على الفرس. وإنما وجد ذلك في الغنيمة الوسطى خاصة. وعلى هذا قال: لو لم يرد عليه ذلك الفرس ولكن اشترى فرساً آخر مكانه أو وهب له فرس آخر والمسألة بحالها فإنه لا يكون راجلاً إلا في الغنيمة الوسطى لأنها أصيبت وهو لم يكن متمكناً من القتال على الفرس يومئذ. فأما في الغنيمة الأولى والآخرة فهو فارس لأنه كان متمكناً من القتال على الرفس حين أصيبت بعدما انعقد له سبب الاستحقاق بالانفصال إلى دار الحرب فارساً. وكذلك إن قاتل المشركون المسلمين على الغنيمة الوسطى ليستردها فقاتل هو معهم على الفرس الثاني لأنه قاتل وله فيها نصيب وهو سهم الراجل فلا يزداد بهذا القتال حقه فيها. وكذلك لو كان الفرس الذي اشترى دون الذي باعه إلا أنه بحيث يقاتل عليه لأنه لو دخل على هذا دار الرحب في الابتداء استحق سهم الفرسان وحالة البقاء أسهل فإذا جاز أن ينعقد له سبب الاستحقاق بهذا الفرس فالبقاء به يكون أجوز. ولو كان رجلان لكل واحد منهما فرس فتبادلا أو باع كل واحد منهما صاحبه فرساً بدراهم فهما فارسان على حالهما لأن كل واحد منهما دخل دار الحرب فارساً ودام تمكنه من القتال على الفرس. إما بما باعه أو بما اشتراه. ول دخل دار الحرب فارساً فقتل مسلم فرسه وضمن له قيمته فلم يشتر بها صاحب الفرس فرساً حتى أصابوا غنائم فصاحب الفرس فارس في جميع ذلك لأن سبب الاستحقاق قد انعقد له وما أزال الفرس عن ملكه بعد ذلك باختياره وإنما تلف بغير صنع من جهته فهو كما لو مات. فإن قيل: حين ضمن المتلف قيمته فقد ملكه بما استوفى من القيمة فلماذا لا يجعل هذا كبيعه منه. قلنا: هو ما قصد التمليك منه وإنما دفع الخسران عن نفسه باسترداد القيمة منه بعد تعذر استرداد العين إلا من شرط تقرر ملكه في القيمة انعدام ملكه في الأصل لكيلا يجتمع البدلان في ملك واحد فكان التمليك هاهنا ثابتاً بطريق الضرورة لا باعتبار قصد أو فعل كان من جهة صاحب الفرس فلا يبطل به حقه. وعلى هذا لو قتله مسلم ثم فر فلم يقدر عليه أو غصبه منه مسلم فغيبه وضمن له قيمته أو هرب عليه فأخرجه إلى دار الإسلام فهو بمنزلة الأول في جميع ما ذكرنا. ولو كان الغاصب غيبه فقضى القاضي عليه بقيمته ثم ظهر الفرس في يده وقد كانوا أصابوا غنائم قبل غصب الفرس وبعده وبعدما ظهر الفرس فما كان من غنيمة قبل غصب الفرس وبعده قبل أن يضمن الغاصب القيمة فالمغصوب منه في ذلك فارس لأن ملكه بالغصب لم يزل وإنما زال تمكنه من القتال عليه لا باختياره. وما أصيب بعدما ضمن الغاصب القيمة قبل أن يظهر الفرس أو بعده فاللمغصوب منه في ذلك كله شهم راجل لأن زوال تمكنه من القتال عليه في هذه الحالة كان باختياره وقد كان متمكناً من أن يتلوم ولا يعجل بتضمين القيمة لعل فرسه يظهر فيأخذه فإذا لم يفعل ذلك ولكنه طلب القيمة وقضى له بها فقد صار في حكم البائع لفرسه فيجعل زوال تمكنه من القتال على فرسه مضافاً إلى اختياره. أرأيت لو غصبه إنسان ساعة من نهار فضمنه قيمته ثم ظهر الفرس لكان هذا فارساً بعد هذا. وقد أخرجه من ملكه باختياره إلا أن يكون حين استوفى القيمة اشترى بها فرساً آخر قبل إصابة الغنائم فحينئذ هو يكون فارساً في جميع ذلك لقيام تمكنه من القتال على الفرس. ولو دخل دار الحرب فارساً فأصابوا غنائم ثم باع فرسه واستأجر فرساً وقاتل عليه فأصابوا غنائم أيضاً فهو فارس في الغنائم الأولى راجل في الغنائم الثانية لأن سبب الاستحقاق إنما انعقد له بفرس مملوك له والمستأجر لا يكون مملوكاً له فلا يصلح أن يكون قائماً مقام الأول في إبقاء سبب الاستحقاق المنعقد بالفرس الأول ولا ينعقد يه سبب آخر ابتداء لأنه حصل في دار الحرب. وكذلك لو استعار فرساً. فإنه مثل الاستئجار أو دونه. فأما إذا وهب له فرس أو تصدق به عليه وقبضه فهو فارس في جميع الغنائم لأن الموهوب ممولك له فيصلح أن يكون قائماً مقام الأول في إبقاء ما انعقد به من سبب الاستحقاق. يوضحه: أن باستئجار الفرس والاستعارة لا يتبين أنه لم يكن مقصوده التجارة بالتزام مؤنة الفرس الأول وبالشراء يتبين أنه لم يكن مقصوده ذلك فيمكن إقامة المشتري مقام ما باع ثم يجعل الموهوب كالمشتري لأن كل واحد من السببين يثبت له الملك في غير الفرس. ولو كان في الابتداء دخل على فرس مستأجر فأصابوا غنائم ثم انقضت الإجازة فأخذه صاحبه ثم أصابوا غنائم ثم استأجر فرساً آخر فقاتل عليه فأصابوا غنائم فهو فارس في الغنائم الأولى والأخيرة راجل في الغنيمة الوسطى لأن سبب الاستحقاق لنعقد له باعتبار فرس هو متمكن من القتال عليه من غير أن يكون مالكاً الاستحقاق انعقد له باعتبار فرس هو متمكن من القتال عليه من غير أن يكون مالكا ًلعينه والثاني مثل الأول في هذا فيقوم مقامه في إبقاء ذلك الاستحقاق به كما قام المشتري مقام الفرس الذي كان مملوكاً له وإنما لا يستحق سهم الفارس فيما أصيب في حال لم يكن هو متمكناً من القتال على الفرس وهو الغنيمة الوسطى فقط. ثم لا فرق في هذا المعنى بين أن ينتهي العقد بمضي المدة أو ينتقض بموت المؤاجر أو بتقايل الإجارة في المدة. ولو كان استعار فرساً والمسألة بحالهم لم يكن له إلا سهم راجل فيما أصيب بعد ذلك لأن الاستعارة دون الاستئجار في الاستحقاق فإن الاستئجار يثبت له استحقاقه المنفعة وبالاستعارة لا يثبت فلا يمكن إبقاء ما انعقد له من السبب باعتبار الفرس من المستأجر بهذا الفرس المستعار. ولو كان اشترى فرساً حين انقضت الإجارة أو وهب له فهو فارس في جميع الغنائم لأنه لو استأجر كان فارساً فإذا اشترى أو وهب له كان أولى. إذا قد وجد في الثاني المعنى الذي لأجله انعقد له سبب الاستحقاق وزيادة. ولو كان الفرس في يده حين دخل الحرب عارية وأصابوا غنائم ثم استرده المعير فأصابوا غنائم ثم استعار فرساً آخر ليقاتل عليه فأصابوا غنائم فإن كان الذي أعاره الفرس ممن يستحق السهم بسبب الفرس الذي أعار فقد بينا أنه لا يبطل استحقاقه بالإعارة للقتال لأنه يزول به تمكنه من القتال على الفرس فإذا بقي هو مستحقاً للسهم باعتبار هذا الفرس فلا يستحق المستعير باعتباره شيئاً لأن بالفرس الواحد لا يكون رجلان فارسين وإنما يضرب وإن كان المعير معه خيل كثير وهو يستحق سهم الفرس بغير هذا الفرس فللمستعير سهم الفرس في الغنائم الأولى والأخيرة وله سهم راجل في الغنيمة الوسطى لأن الثاني مثل الأول الذي انعقد له سبب الاستحقاق باعتباره فيجعل ذلك السبب باقياً ببقاء ما هو مثله كما يجعل باقياً عينه. ألا ترى أنه لو استعار ذلك الفرس بعينه ثانياً وقاتل عليه كان فارساً وكذلك لو أنه اشترى فرساً أو وهب له أو استأجره لأن الثاني فوق الأول في المعنى الذي انعقد به سبب الاستحقاق له فيبقى ذلك الاستحقاق باعتباره. ويستوي إن كان الذي استأجره فرساً كان صاحبه فارساً أو لم يكن لأن بالإجازة يخرج صاحبه من أن يكون فارساً به بخلاف الإعارة وهذا لأن بالإجارة يزول تمكن صاحبه من القتال عليه بما أوجب من الحق للمستأجر وبالإعارة لا يزول ذلك. ألا ترى لو أنه آجر نفسه للخدمة مدة معلومة في دار الحرب لم يكن له سهم ولو أعان غازياً وخدمه في دار الحرب لا يبطل به سهمه فكذلك الحكم في سهم فرسه. ولو اشترى في دار الإسلام فرساً ولم يقبضه حتى دخلا دار الحرب ثم نقد الثمن وقبض الفرس فكل واحد منهما راجل في جميع الغنائم. أما البائع فلأن الفرس زال من ملكه قبل أن يدخل دار الحرب فهو قد دخل وليس له فرس وأما المشتري فلأنه دخل وهو غير متمكن من القتال على فرسه لكونه محبوساً عند البائع بالثمن بمنزلة المرهون وإنما صار متمكناً حين نقد الثمن في دار الحرب ابتداء فكأنه اشترى الفرس الآن ولو كان فقد الثمن قبل أن يدخل دار الحرب ولم يقبض الفرس حتى دخل أو كان الثمن إلى أجل ففي القياس المشتري راجل فيما أصيب من الغنائم لأن القتال على الفرس تصرف وملك التصرف يحصل للمشتري عند القبض ابتداء وإنما ملك القتال عليه في دار الحرب بعدما قبضه. يوضحه: إن الفرس في ضمان ملك البائع وإن كان المشتري قد نقده الثمن بدليل أنه لو هلك يهلك على ملكه والبائع إذا وجد الثمن زيوفاً فرده يكون له أن يحبسه إلى استيفاء الثمن فعرفنا أن المشتري حين دخل دار الحرب لم يكن متمكناً من القتال عليه مطلقاً فلا يستحق به سهم الفارس كما قبل نقد الثمن. وفي الاستحسان للمشتري سهم الفرس لأن انعقاد سبب الاستحقاق له باعتبار تمكنه من القتال على الفرس عند مجاوزة الدرب وهذا ثابت باعتبار ملكه وخلوه عن حق الغير وتمكنه من الأخذ متى شاء بإقرار البائع له بذلك وقد تقرر هذا التمكن بقبضه فيستحق سهم الفرس به. كما لو أعار فرسه غيره للركوب أو أودعه منه. ولو دخل مسلمان دار الحرب بفرس مشترك بينهما يقاتل عليه هذا مرة وهذا مرة فهما راجلان في الغنائم كلها لأن كل واحد منهما لا يتمكن من القتال عليه بغير إذن صاحبه فلا يكون فارساً باعتباره. فإن كان أحدهما أجره من صاحبه أو أعاده في دار الإسلام فالمستعير والمستأجر فارس به لأنه انفصل وهو متمكن من القتال عليه. إلا أن يأخذ المعير حصته أو تنقضي الإجازة فحينئذ يكون هو راجلاً فيما يصاب بعد ذلك لأنه زال تمكنه من القتال عليه بحق مستحق كان سابقاً على دخوله دار الحرب. ولو دخلا بفرسين بينهما نصفين وطيب كل واحد منهما لصاحبه في دار الحرب أن يقاتل على فرس منهما بعينه أو بغير عينه فهما راجلان لأن كل واحد منهما انفصل وهو غير متمكن من القتال على الفرس وإنما صار متمكناً من ذلك بسبب حادث في دار الحرب وهو أن صاحبه طيب له ذلك وذلك لا ينفعه شيئاً. ولو كان طيب كل واحد منهما لصاحبه قبل دخول دار الحرب فهما فارسان إلى أن يرجع كل واحد منهما عما أذن لصاحبه فيه لأن كل واحد منهما انفصل وهو متمكن من القتال على الفرس فينعقد له سبب الاستحقاق به ما بقي تمكنه فإذا أرجعا عن ذلك التمكن فيكون كل واحد منهما راجلاً بعد ذلك. وكذلك إذا تهايئاً على الركوب قبل دخول دار الحرب. فإن المهايأة قسمة المنفعة. وقد بنا الخلاف في التهايؤ على ركوب الدابتين في كتاب الصلح من شرح المختصر. ولا خلاف أن أحدهما إذا طلب ذلك وأبى صاحبه فإنه لا يجبر كل واحد منهما على المهيأة على الركوب للقتال لأن اعتبار المعادلة في ذلك غير ممكن فلا يجري فيه الإجبار. ولكن إن اجتمعا عليه فلهما ذلك بوجود التراضي منهما ويجبران على التهايؤ على الركوب لغير الحرب عند محمد - رحمه الله - لأن اعتبار المعادلة فيه ممكن فإذا طلب أحدهما أجبر الآخر عليه اعتباراً لقسمة المنفعة بقسمة العين. ثم لا يستحق واحد منهما بذلك سهم فارس لأن واحداً منهما لا يصير متمكناً من القتال على الفرس بالمهايأة على الركوب. ولو كان كل واحد منهما أذن لصاحبه في ركوب أي الفرسين شاء ولم يدفع إلى صاحبه فرساً بعينه فكل واحد منهما راجل سواء كان هذا الإذن منهما في دار الإسلام أو في دار الحرب لأن إعارة نصيبه من صاحبه لا تتم بمجرد الإذن ما لم يسلم إليه. ولو دخل مسلم دار الحرب بأفراس فباعها كلها إلا واحداً منها لم يحرم سهم الفارس لأن متمكن من القتال على الفرس بما بقي عنده ولأنه تبين بما صنع أنه قصد التجارة فيما باع فيسقط اعتبار ذلك في استحقاق السهم به ويجعل في الحكم كأنه حين دخل لم يكن معه إلا هذا الفرس. وهذا لأن ما زاد على الواحد فضل هو غير محتاج إليه إنما يبنى حكم الاستحقاق ثبوتاً وبقاء على ما يحتاج إليه خاصة. ألا ترى أنه لو رجع بعض الشهود لم ينتقض نصاب الشهادة برجوع من رجع فإن القاضي لا يمنع من القضاء بالشهادة لهذا المعنى ولو كان بعد القضاء لم يجب شيء من الضمان على الراجعين. ول نفق منها واحد أو عقر في دار الحرب ثم باع بقية خيله فهو فارس أيضاً لأنه لو نفق بعد بيع البعض بقي فارساً باعتباره فكذلك قبله وهذا لأن ما باع صار كأن لم يكن فكأنه دخل بفرس واحد ثم نفق قبل القتال عليه أو بعده وهو يستحق سهم الفرسان في هذا. ولو دخل مراهق دار الحرب فارساً أو راجلاً فأصابوا غنائم فله الرضخ على التفسير الذي قلناه. فإن لم يخرجوا إلى دار الإسلام ولم يقسموا الغنائم حتى بلغ الغلام ضرب له بسهم فارس إن كان فارساً وبسهم راجل إن كان راجلاً سواء لقوا قتالاً بعد ذلك أو لم يلقوا لأن سبب الاستحقاق قد انعقد له حين جاوز الدرب ثم قبل تمام الاستحقاق كمل حاله فيجعل ما اعترض كالمقترن بأصل السبب في استحقاقه السهم الكامل بمنزلة الذمي إذا أسلم وقد بيناه فيما مضى. أشار هاهنا إلى حرف آخر فقال: من العلماء من يقول يسهم له وإن لم يبلغ وللذمي وإن لم يسلم فاختلافهم في استحقاق السهم الكامل قبل البلوغ والإسلام يكون اتفاقاً منهم على استحقاق ذلك إذا كان بالغاً مسلماً عند تمام الاستحقاق. والله أعلم.
ولو أن غازياً باع فرسه في دار الحرب فله سهم الفرسان فيما أصيب قبل بيعه وفيما أصيب بعد البيع له سهم الرجالة. فإن قال الذي يلي المقاسم: إنما بعت فرسك قبل الإصابة وقال الغازي: ما بعته إلا بعد الإصابة. فالقول قول الذي يلي المقاسم. وكان ينبغي أن يكون القول قول الغازي لأن سبب الاستحقاق قد انعقد له بمجاوزة الدرب ولأن البيع حادث فإنما يحال بحدوثه على أقرب الأوقات ما لم يثبت سبق التاريخ بالحجة ولكنه قال: سبب الرحمان قد ثبت بإقراره وهو بيع الفرس فلا يثبت له الاستحقاق بعد ذلك إلا بحجة. ألا ترى أن مسلماً لو مات وله أخ مسلم فجاء ابنه مرتداً وزعم أنه ارتد بعد موت أبيه فالميراث له وقال الأخ: إنما ارتد في حياته فالقول قول الأخ وإن كان يدعي تاريخاً سابقاً في ردته لأن سبب حرمانه ظاهر فلا يثبت استحقاقه بعد ذلك إلا بحجة. وكذلك لو كان ابنه نصرانياً فزعم أنه أسلم قبل موت أبيه لأن سبب حرمانه وهو المخالفة في الدين معلوم فلا يثبت الاستحقاق إلا بحجة. يوضحه: أن سبب الاستحقاق التزام مؤنة الفرس عند مجاوزة الدرب على قصد القتال. وبالبيع في دار الحرب قد صار ذلك محتملاً فلا يثبت استحقاقه إلا بترجيح جانب القصد إلى القتال. وهو يعلم أنه باعه بعد القتال وإصابة الغنائم. فما لم يثبت ذلك بالبينة لا يثبت سبب استحقاقه. فأما الإحالة بالبيع على أقرب الأوقات فهو نوع من الظاهر وبالظاهر يدفع الاستحقاق ولا يثبت الاستحقاق. وإن أقام البينة من الجند على أنه باعه بعد الإصابة قبلت بينته لخلوها عن التهمة. وإن شهد بذلك شاهد واحد فالحاجة لا تتم بشهادته فإن قال المشهود له: أشارك هذا الفارس الذي شهد لي في نصيبه لإقراره لم يكن له ذلك لأنه لم يكن لواحد منهما ملك في شيء من الغنيمة قبل القسمة وإقرار من ردت شهادته إنما يعتبر إذا صادف ملكه أو كان أقر بملك للغير فيه ولم يوجد ذلك هاهنا فلهذا لا يشاركه في نصيبه. وإن قال الفارس: نفق فرسي أو عقر. وقال الذي يلي المقاسم: أراك بعته فالقول للفارس وله سهم الفرسان لأن سبب الاستحقاق له معلوم وما يبطل حقه وهو بيع الفرس مختلف فيه صاحب المقاسم يدعيه والغازي ينكره فالقول قوله مع يمينه بمنزلة ما لو ادعى الأخ المسلم على الابن أنه ارتد في حياة أبيه ثم أسلم بعد موته وقال الابن: ما ارتددت قط فإنه يكون القول قول الابن والميراث له فإنه قال: دخلت بفرس فنفق وقال صاحب المقاسم: ما أدخلت بفرس أم لا فهو راجل حتى يعلم أنه دخل بفرس لأن الغازي هاهنا يدعي سبب استحقاق سهم الفرس وهو غير معلوم فلا يستحق شيئاً إلا بحجة. بمنزلة ما لو ادعت امرأة ميراث ميت وزعمت أنه كان تزوجها في حياته لم تصدق إلا بحجة وإن علم صاحب المقاسم والمسلمون أنه كان فارسا وأنه استهلك فرسه بعد إصابة بعض الغنائم ببيع أو هبة ولكنهم لا يدرون ما أصابوا قبل استهلاكه ولا ما أصابوا بعده فله في ذلك سهم راجل إلا ما علم أن إصابته كان قبل استهلاكه لأن السبب المبطل لحقه هاهنا عن البعض معلوم فلا يعطي إلا القدر المتيقن به ولأن كل جزء من المصاب يحتمل أن يكون مصاباً بعد استهلاكه. ويحتمل أن يكون قبله وبالاحتمال لا يثبت الاستحقاق وصار كل جزء هاهنا كجميع المصاب في مسألة أول الباب. ولا يمين على صاحبت المقاسم في شيء من هذا لأنه ليس بخصم وإنما هو بمنزلة الحاكم. وإن كان باع فرسه واشترى فرساً آخر فقد بينا أنه فارس في كل مصاب إلا ما كان بعد بيعه الفرس قبل شرائه الفرس الثاني. فإن اختلفوا في ذلك لم يضرب له إلا بسهم راجل في جميع ذلك لبقاء الاحتمال في كل جزء من المصاب حقه إلا بحجة. ولأنا علمنا أنه كان راجلاً في دار الحرب في وقت فلا يستحق سهم الفرسان ما لم يعلم أن الإصابة كانت في غير ذلك الوقت بمنزلة الابن الذي علم أنه كان نصرانياً في وقت فجاء مسلماً بعد موت الأب وزعم أنه كان أسلم في حياته لم يصدق إلا بحجة. وكذلك لو علم أن الابن كان مرتداً في وقت فقال: أسلمت قبل موت الأب. وقال الأخ: أسلمت بعد موته فإنه لا يستحق الميراث ما لم يثبت بالبينة إسلامه قبل موت أبيه. ولو أقر بأنه بادل فرسه بهذا الفرس الذي في يده وقال صاحب المقاسم: أظنك بعت فرسك ثم اشتريت هذا الفرس فالقول قول الغازي مع يمينه لأنه لم يعلم كونه راجلاً في دار الحرب في وقت من الأوقات. فقد بينا أن مبادلة الفرس بفرس آخر لا تجعله في حكم الراجل. فصاحب المقاسم هاهنا يدعي السبب المبطل لحقه وهو منكر. فالقول قوله مع يمينه. بخلاف الأول. ومن لحق أو حربي أسلم في دار الحرب أو عبد كان يخدم مولاه فأعتقه فقد بينا أن له الشركة فيما يصاب بعدما التحق بهم ولا شركة فيما أصيب قبل ذلك. إلا أن يلقوا قتالاً فيه فيقاتل دفعاً عن ذلك فإن لم يعلم ما أصابوا قبل أن يلحق بهم ولا ما أصابوا بعدما لحق بهم ولم يلقوا قتالاً بعد الإصابة فلا شيء له ما لم يقم البينة على شيء أنه قد أصيب بعدما لحق بهم لأن الاحتمال قائم في كل جزء من المصاب. وبالاحتمال لا يثبت الاستحقاق ابتداء. فإن سهد له بذلك. لما بينا أنهم لم يشهدوا بملك له في شيء. ألا ترى أنه لو قبلت شهادتهم لم يملك شيئاً قبل قسمة الغنائم وحق الاشتراك ينبني على الملك فيما هو خاص. ألا ترى أن جيشاً لو اقتسموا غنائم ثم ادعى رجل أنه كان معهم فأقر بذلك بعض الجيش لم يشارك المقر في نصيبه وهذا مما لا يشكل فإنه لو علم أنه كان مع الجيش لم يكن له سبيل على ما أصاب كل واحد منهم استحساناً ولكن إن بقيت من الغنيمة بقية. أعطاه الإمام نصيبه من ذلك وإن لم يبق أعطاه عوض نصيبه من بيت المال. فإذا لم يعلم كان أولى. وهذا نوع استحسان باعتبار أن الغرم مقابل بالغنم. ولو بقي شيء تتعذر قسمته بين الغانمين يجعل في بيت المال. فكذلك إذا ظهر سهو يجعل ذلك على بيت المال. وكذلك لو ادعى هذا الرجل أن المسلمين لقوا قتالاً بعدما لحق بهم أنه قاتل دفعاً عن المصاب معهم وقد علم المسلمون أنهم لقوا قتالاً بعد الإصابة ولكن لا يدرون أن ذلك القتال كان قبل أن يلحق بهم هذا الرجل أو بعده فلا شركة له معهم حتى تقوم البينة من المسلمين على ما يدعي من ذلك لأن سبب استحقاقه هاهنا المقاتلة معهم دفعاً عن المصاب وذلك لا يظهر بقوله فلا بد من إقامة البينة عليه.
قال: وإذا دخل الغازي في دار الحرب فارساً ثم دفع فرسه إلى رجل ليقاتل عليه على أن سهم الفرس لصاحبه فهذا جائز لأنه شرط موافق لحكم الشرع وقد بينا أن إعادة الفرس في دار الحرب لا يبطل استحقاقه وأنه لو لم يشترط هذا كان له سهم الفرس له والشرط لا يزيده إلا وكادة. ولو كان شرط أن سهم الفرس وسهم الراجل الذي قاتل عليه كله لصاحب الفرس فذها فاسد لأنه شرط لنفسه ما هو حق الذي يقاتل على فرسه فيكون هذا إجازة منه لفرسه بما شرط عليه. وهذه إجازة فاسدة لجهالة البدل المشرط عليه. فيكون له أجر مثله على الذي قاتل عليه ولا سهم هاهنا. أما الذي قاتل عليه فإنه استأجر في دار الحرب إجازة فاسدة ولو استأجره إجارة صحيحة أو اشتراه لم يستحق به شيئاً فهذا أولى. وأما صاحب الفرس فلأنه لو أجره إجارة صحيحة بطل به حقه كما لو باعه في دار الحرب. فكذلك إذا آجره إجارة فاسدة لأن العقد الفاسد معتبر بالجائز في الحكم ولأنه استحق عوضاً عن منفعة فرسه وهو أجر المثل فلا يستحق به السهم مع ذلك. ولو كان مع صاحب الفرس فرس غير هذا فله سهم فارس باعتبار الفرس الآخر سواء بقي في يده أو نفق لأن الذي آجره بهذه الصفة صار كأن لم يكن. ولو لم يدخلوا دار الحرب حتى أعطى فرسه رجلاً على أن يكون سهم الفرس لصاحبه فإن سهم الفرس هاهنا للذي أدخله دار الحرب لأن سبب الاستحقاق قد انعقد له وهو الانفصال فارساً. فيكون صاحب الفرس مؤاجراً فرسه ببذل مجهول فيستوجب عليه أجر المثل وليس له من سهم الفرس شيء لأنه انفصل راجلاً فإن كان معه فرسان فصنع هذا بأحدهما والمسألة بحالها فله سهم الفارس باعتبار فرسه الذي بقي له وأما سهم الفرس الآخر فهو للذي قاتل عليه ولصاحب الفرس عليه أجر المثل في قول محمد وهو قياس قول أبي حنيفة لأن من أصلهما أن الغازي لا يستحق السهم إلا بفرس واحد وإن قاد بأفراس فكان في هذا الشرط معنى إجازة الفرس كما بينا. فأما في قياس قول من يقول بسهم لفرسين وهو قول أبي يوسف فينبغي أن يكون الشرط صحيحاً والسهم كله لصاحب الفرس لأنه بدون هذا الشرط كان يستحق سهم الفرسين فالشرط لا يزيده إلا وكادة. لكن هذا إذا كان الإعطاء بهذا الشرط فالشرط لا يزيده إلا وكادة. لكن هذا إذا كان الإعطاء بهذا الشرط في دار الحرب فأما إذا كان في دار الإسلام فسهم الفرس للذي قاتل عليه ولصاحب الفرس عليه أجر مثله في الوجهين لأنه ما انعقد لصاحب الفرس سبب استحقاق السهم بهذا في دار الإسلام وإنما انعقد ذلك لمن كان فارساً به عند الانفصال فيكون معنى الإجازة متقرراً بينهما هاهنا. وإن كان لكل واحد من الرجلين فرس غير الفرس الذي أعطى أحدهما صاحبه بهذا الشرط. ففي قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: لا يسهم لهذا الفرس ولا شيء لصاحبه على من أخذه منه لأن كل واحد منهما فارس عند الانفصال بالفرس الآخر دون هذا الفرس. وأما في قول أبي يوسف فللذي قاتل على الفرس سهم فرسين لأنه انفصل إلى دار الحرب ومعه فرسان فيكون لصاحب الفرس عليه أجر مثله باعتبار الشرط الذي جرى بينهما في دار الإسلام. وإذا أودع المسلم فرسه في دار الحرب مسلماً أو ذمياً ثم خرج راجلاً في سرية فأصابوا غنائم ورجعوا إلى العسكر أو خرجوا من جانب آخر إلى دار الإسلام فصاحب الفرس فارس في ذلك الوجهين لأن سبب استحقاق سهم الفرس قد انعقد له ثم يبطل ذلك بإيداعه إياه من رجل معه في المعسكر لبقاء تمكنه من الأخذ بعد الإيداع وقد قررنا هذا في الإعارة. فهو بمنزلة ما لو تركه مع غلامه في المعسكر. فكما لا يبطل هناك سهمه لا يبطل هاهنا. ألا ترى أن العدو لو حضروا العسكر فخرج إليهم راجلاً وهو محتاج إلى فرسه ولكن تركه إبقاء عليه كان له سهم الفرس فكذلك إذا خرج في سرية وتركه في المعسكر عند بعض أصحابه ليقوم عليه ويسمنه وهو محتاج إلى ذلك أو غير محتاج. ولو كان الإمام نفل للفرسان من السرية نفلاً فليس لهذا الرجل من النفل شيء لأنه قصد بالتنفيل تحريضهم على إخراج الأفراس معهم إلى الموضع الذي وجههم إليه فمن ترك فرسه في المعسكر لا يدخل في هذا التنفيل حتى لو خرج القوم كلهم رجالة وتركوا الأفراس في المعسكر لم يكن لهم من نفل الفرسان شيء لهذا المعنى. ولو مر عسكر المسلمين بحصن من حصونهم ممتنعين من أهل الإسلام فأودع مسلم فرسه من رجل كان ساكناً في الحصن مسلماً مستأمناً أو ذمياً أو أسيراً أو حربياً بينه وبينه قرابة ثم قاتل راجلاً وهو بالقرب من باب الحصن أو بالبعد منه فليس له فيما يصاب إلا سهم راجل لأنه صار مضيعاً فرسه حين جعله في منعة أهل الحرب فهو بمنزلة ما لو استهلك فرسه وهذا لأنه أزال تمكنه من القتال على الفرس باختباره. فإن أهل الحرب إذا منعوه منه لا يتمكن من إثبات يده على الفرس بقوته. ولا بقوة الإمام إذ لا ولاية له على من هو في منعة أهل الحرب بخلاف ما سبق. فهناك إنما جعل الفرس في يد مسلم من أهل العسكر وهو متمكن من الاسترداد منه متى شاء فلا يزول به تمكنه من القتال عليه. فإن رجع إليهم بعد إصابة الغنائم وأخذ فرسه لم يكن له فيها إلا سهم راجل سواء لقوا قتالاً بعد ذلك أو لم يلقوا. أما إذا لم يلقوا قتالاً فلا أشكال. وحاله كحال من باع فرسه ثم اشترى فرساً بعد إصابة الغنيمة. وأما إذا لقوا قتالاً فلأن له في المصاب سهم راجل. وإنما قاتل دفعاً عن ذلك فلا يزداد به سهمه وكذلك لو دخل مدينة من مدائنهم بأمان مع فرسه فأصابوا غنائم ثم خرج إلى المعسكر بعد ذلك فلا نصيب له في تلك الغنيمة لأنه خرج من أن يكون مقاتلاً حين دخل في منعتهم بأمان فلا يكون هو ممن شهد الوقعة حقيقة ولا حكماً ولكن حاله كحال من كان من المسلمين مستأمناً في هذه المدينة فخرج والتحق بالعسكر فلا شركة له فيما أصيب قبل ذلك إلا أن هاهنا إن لقي المسلمون قتالاً فقاتل معهم دفعاً كان له سهم الفارس فيما أصيب قبل ذلك لأنه ما كان مستحقاً لشيء من هذا المصاب حتى يكون قتاله دفعاً عن ذلك فيثبت الحق له بهذا القتال وإنما التحق بهم فارساً فيستحق سهم الفرسان بخلاف ما سبق. ولو كان أسر على فرسه والمسألة بحالها كان له سهم الفارس سواء التحق بهم فارساً أو راجلاً لأنه انعقد له سبب الاستحقاق معهم بدخول دار الحرب للقتال ثم لم يعترض بعد ذلك ما يبطله فإنه أسر بغير اختياره ولم يخرج به من أن يكون محارباً. ألا ترى أنه يجوز له قتلهم وأخذ أموالهم إن قدر على ذلك بخلاف الأول فهناك ترك القتال معهم باختياره. ألا ترى أنه لا يحل له قتلهم ولا أخذ أموالهم ما دام مستأمناً فيهم. ول كان الأمير بع إليهم رسولاً في بعض حوائج المسلمين فلما دخل الرسول إليهم بأمان أصاب المسلمون غنائم بعد ذلك ثم خرج الرسول فإنه يستحق سهم الفرسان معهم إن كان فارساً سواء خرج إليهم فارساً أو راجلاً لأن الرسول لم يترك المحاربة معهم. وإنما أتاهم ليدبر أمر الحرب فهو بمنزلة من يكون في المعسكر بخلاف المستأمن إليهم لحاجة نفسه. ألا ترى أن الرسولم الجانبين يكون آمناً من غير استئمان لاعتبار هذا المعنى ولأن الرسول إنما أتاهم لمنفعة المسلمين فمن يكون ساعياً فيما ترجع منفعته إلى المسلمين لا يكون مفارقاً لهم حكماً والمستأمن ما أتاهم لمنفعة المسلمين بل منفعة له خاصة فيصير به مفارقاً للعسكر حكماً. والأصل في هذا الباب ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لطلحة بن عبيد الله من غنائم بدر وقد كان وجهه إلى ناحية الشام لمنفعة المسلمين ولم يكن حاضراً عند القتال. وروي أنه بعث محصية الأنصاري إلى أهل فدك وهو محاصر خيبر ففتحها وهو غايب ثم جاء فضرب له سهم. فعرفنا أن من كان سعيه في توفير المنفعة على المسلمين فهو في الحكم كأنه معهم. ولو أن رجلين من المسلمين أو من أهل الذمة دخلا يريدان القتال فقاتلا مع المسلمين فلم يصيبوا شيئاً حتى استأمنا إلى المشركين ثم رجعا إلى العسكر بآخرين لا يريدان قتالاً فأصاب المسلمون غنائم لم يكن لهم فيها شيء لأنهما حين استأمنا إلى أهل الحرب فقد تركا المحاربة معهم. ويكون حالهما بعد ذلك كحال من كان تاجراً فيهم بأمان والتحق بالعسكر على قصد القتال وإذا ثبت هذا فيما إذا العسكر لا على قصد القتال ثبت فيما إذا كانا مستأمنين في دار الحرب بطريق الأولى. ألا ترى أنهما لو لم يستأمنا إليهم ولكنهما تركا القتال واشتغلا بالتجارة في المعسكر وتبين ذلك للمسلمين ثم أصاب المسلمون الغنائم بعد ذلك لم يكن لهما شركة فيها فبعد الاستئمان إليهم أحرى أن لا يكون لهما شركة. ولو دخل مسلم فارساً مع الجيش وليس له اسم في الديوان فلما أصابوا غنائم قال: دخلت للقتال متطوعاً وقال المسلمون: دخلت تاجراً. فالقول قوله مع يمينه لأن المسلم محارب للمشركين في الأصل فإن مخالفته إياهم في الدين والدار تحمله على المحاربة معهم فما لم يظهر منه خلاف ذلك يكون هو محارباً والمسلمون بقولهم: دخلت تاجراً يدعون عليه سبب الحرمان وهو منكر فالقول قوله مع يمينه. وإن كان الداخل ذمياً أو عبداً أو صبياً أو امرأة والمسألة بحالها فلا شيء لأحد منهم ما لم يعلم أنه دخل للقتال وأن المرأة دخلت لمداواة الجرحى لأن هؤلاء باعتبار الأصل غير مقاتلين فليس للمرأة والصبي بينة صالحة للمحاربة والعبد محجور عن القتال لحق مولاه والذمي موافق لهم في الاعتقاد وذلك يمنعه من المحاربة معهم فما لم يعلم بالحجة قصدهم إلى المحاربة لا يكون لهم في النصاب شيء بخلاف ما سبق. والدليل على الفرق أن من لا يعلم حاله من أهل الحرب إذا كان رجلاً بالغاً يباح قتله وإنما يباح لكونه محارباً ومن كان صبياً منهم أو امرأة لا يباح قتله ما لم يوجد منه مباشرة القتال. يوضحه: أن من قاتلوا فعرفنا أنهم ليسوا مقاتلين في الأصل. ولو أن فارساً في دار الحرب أعار فرسه بعض التجار أو رسولاً أرسله الأمير إلى الخليفة فركب المستعير وانطلق إلى دار الإسلام فأصاب أهل العسكر غنائم بعد ذلك فإن كان المستعير خرج إلى دار الإسلام قبل إصابة تلك الغنائم فليس للمعير فيها إلا سهم راجل لأنه جعل فرسه في دار الإسلام باختياره فيزول به تمكنه من القتال عليه حقيقة وحكماً ويبعد أن يكون هو في دار الحرب فارساً بفرس له في دار الإسلام. ألا ترى أنه لو رد الفرس مع غلامه إلى الإسلام فأتى به أهله لم يكن هو فارساً به فكذلك ما سبق. وإن كان المستعير لم يخرج إلى دار الإسلام فهو فارس فيما أصيب لأن سبب استحقاق سهم الفرس قد انعقد له بالانفصال إلى دار الحرب على قصد القتال عليه فما بقي فرسه في دار الحرب يبقى ذلك الاستحقاق وإن لم يكن من القتال عليه حقيقة لبعده منه. ألا ترى أنه لو أعاره في المعسكر ثم خرج في سرية راجلاً وبعد من المعسكر كان له سهم الفارس في المصاب وإن لم يرجع إليهم فكذلك ما سبق. أرأيت لو بدا للمستعير فرجع إلى العسكر قبل أن يخرج إلى دار الإسلام فرد الفرس عليه أما كان له سهم الفرسان فيما أصيب قبل رجوعه وهو فارس في جميع ذلك. وهذا لأن دار الحرب في حكم موضع واحد فيما يبتني عليه استحقاق الغنيمة ولهذا فهاهنا ما دام فرسه في دار الحرب يجعل في الحكم كأنه حاضر معه بخلاف ما بعد إخراجه إلى دار الإسلام وهو نظير المسجد في حكم صحة الاقتداء بالإمام وإن لم تكن الصفوف متصلة مع الموضع الذي هو خارج المسجد. ولو عاد المستعير بالفرس إلى المعسكر بعدما خرج إلى دارالإسلام فللمعير سهم الفارس فيما أصيب بعد دخول المستعير دار الحرب كما أن له سهم الفارس فيما أصيب قبل خروج المستعير من دار الحرب. وأما فيما أصيب بعد خروج المستعير إلى دار الإسلام فله سهم الرجالة خاصة. للمعنى الذي بينا. فإذا لم يعلم متى كانت الإصابة وقد علم أن الفرس وصل إلى دار الإسلام فليس للمعير إلا سهم الراجل. لما بينا أ كل جزء فيه احتمال أن يكون إصابته بعدما حصل الفرس في دار الإسلام فلا يعطي إلا قدر المتيقن به. وإن قال صاحب الفرس: لم يخرج الفرس من دار الحرب. وصدقه المستعير في ذلك أو كذبه فالقول قوله لأن سبب استحقاقه معلوم وما يبطله وهو حصول الفرس في دار الإسلام غير معلوم بل هو منكر لذلك فالقول قوله وكما لا يصدق صاحب المقاسم عليه فيما يبطل حقه لا يصدق المستعير إذا كذبه لأن قول المستعير ليس بحجة عليه وإن كان الفرس عنده وبدون الحجة لا يثبت سبب الحرمان. وأما المستعير فهو يكون فارساً بهذا الفرس في شيء من الغنائم سواء حصل في دار الإسلام أو لم يحصل لأنه استعاره للركوب لا للقتال عليه فلايكون هو متمكناً من القتال عليه أصلاً. ولوكان الفرس نفق في يد المستعير فإن كان قبل أن يخرج إلى دار الإسلام فالمعير فارس في الغنائم كلها لأن موته في يد المستعير في دار الحرب كموته في يد المعير ف بالإعارة لا يصير مبطلاً استحقاقه بالفرس. وإن كان نفق في دار الإسلام فهو فارس في كل غنيمة أصيبت قبل إخراج الفرس إلى دار الإسلام لأن حصول الفرس في دار الإسلام باختياره مانع من استحقاق السهم به غير مبطل لما استحقه قبل ذلك فإنما يكون هو راجلاً فيما يصاب بعد خروجه إلى دار الإسلام. وإن كان بعدما رده المستعير إلى دار الحرب فهو فارس فيما يصاب بعدما رده إلى دار الحرب. لزوال المانع. وموت الفرس في يد المستعير كموته في يد المعير ولو مات بعدما سلمه إلى المعير كان هو فارساً إلا فيا أصيب حال كون الفرس في دار الإسلام فهذا مثله وأما بيان سهم المستعير فنقول: إن يعث رسولاً إلى دار الإسلام فله السهم فيما أصيب قبل خروجه إلى دار الإسلام عاد إلى الحرب أو لم يعد لأنه وإن بعد من العسكرفهو في دار الحرب وإنما ذهب لمنفعة العسكر فيجعل في الحكم كأنه معهم سواء عاد إليهم أو لم يد. وما أصيب بعدما دخل دار الإسلام فإن عاد هو إلى دار الحرب قبل أن يقتسموا أو يبيعوا فهو شريكهم فيها بمنزلة المدد وإن لم يعد أو عاد بعدما اقتسموها أو باعوها لم يكن له شركة فيها لأنه بعدما حصل في دار الإسلام التحق هو بمن لم يدخل دار الحرب قبل هذا في الشركة فيما يصاب كيف يكون له الشركة في ذلك وهو عند امرأته وولده في منزله حيث أصيب ذلك. وإن لم يكن رسولاً فله سهمه فيما أصيب حال كونه مع الجيش أو بالقرب منهم على وجه يمكنه أن يغيثهم لو احتاجا إليه فأما ما أصيب بعدما بعد منهم أو بعدما خرج إلى دار الإسلام فلا سهم له في ذلك إذا لم يعد إليهم لأنه فارقهم لا منفعة ترجع إليهم فيخرج به من أن يكون شاهداً للوقعة معهم حكماً. كما لو اشتغل بالتجارة وترك القتال. إلا أن يعود إليهم قبل القسمة والبيع. فحينئذ يكون هو بمنزلة المدد يشاركهم في جميع ذلك وهكذا كان القياس في الرسول ولكنا استحسنا باعتبار أن الرسول إنما بعد عنهم في أمر اترجع منفعته إليهم وهو نط ر الاستحسان الذيقلنا. فيما دخل منعه أهل الحرب رسولاً أو مستأمناً إليهم لحاجة نفسه فالفرق الذي ذكرنا هناك هو الفرق بين الفصلين هاهنا. ولو أودع الغازي فرسه بعض من في منعة أهل الحرب فقد بينا أن يصير مضيعاً فرسه بما صنع فلا يضرب له فيما يصاب بعد ذلك إلا بسهم راجل. كما لو باع فرسه وإن غنم المسلمون فرسه فردوه عليه قبل القسمة بغير شيء أو باعه الإمام فأخذه من الشمتري بالثمن ثم غنمنوا غنائم بعد ذلك فهو فارس فيما أصيب بعد عود الفرس إليه راجل فيما أصيب قبل ذلك بمنزلة ما لو اشترى فرساً ابتداءً لأنه بما صنع في الابتداء صار مبطلاً استحقاقه حين أزال تمكنه من القتال على الفرس فما لم يعد الفرس إلى يده لا يعود تمكنه من القتال عليه. ولو كان لو يودع الفرس أحداً ولكنه غنمه المشركون والمسألة بحالها فهو فارس فيما يصاب بعد ذلك لأنه زال تمكنه باختياره فهو بمنزلة ما لو نفق الفرس في يده وكذلك إن أبى أن يأخذه بالثمن من يد المشتري من العدو فهو فارس حكماً فيما يصاب بعد ذلك لأنه لا يتوصل إلا بالثمن وهو غير مجبر على إعطاء الثمن. بمنزلة ما لو نفق فرسه فلم يشتر فرساً آخر في دار الحرب مع تمكنه منه ولو أعر فرسه مسلماً ليخرج إلى دار الإسلام وأمره أن يسلمه إلى أهله فأخرجه المستعير ثم ركبه راجعاً إلى دار الحرب فالمعير راجل في كل غنيمة أصيبت والمستعير في دار الإسلام أو بعدما رجع إليهم قبل أن يعود الفرس إلى يده. أما ما أصيب والفرس في دار الإسلام فقد بينا الحكم فيه. وأما في المصاب بعد الرجوع فلأن المستعير يستحق سهم الفرسان باعتبار هذا الفرس لأنه مدد التحق بالجيش على فرس مغصوب فإنه بالرد صار غاصباً ضامناً ما لم يسلمه إلى صاحبه. وإذا كان المستعير فارساً به فالمعير لا يكون فارساً به. وفيما أصيب بعد ما أخذ المعير فرسه فالمستعير راجل لأن الفرس أخذ منه حق مستحق والمعير فارس لأنه عاد تمكنه من القتال عليه كما لو اشترى فرساً آخر. ولو لم يرده المستعير إلى دار الحرب حتى ظهر عليه المشركون في دار الإسلام فأحرزوه فالمعير راجل فيما يصاب بعد حصول الفرس في دار الإسلام وبعد إحراز أهل الحرب إياه لأنهم أحرزوه لأنفسهم فلا يعود تمكنهم من القتال عليه. إلا أن يأخذه المسلمون فيردونه عليه قبل القسمة بغير شيء أو بعد البيع بالثمن فحينئذ يكون هو فارساً فيما يصاب بعد ذلك لأنه عاد تمكنه من القتال عليه. كما كان قبل أن يبعث به إلى دار الإسلام ولو كان الغازي خلف فرسه في دار الإسلام ودخل مع الجيش راجلاً ثم أحرز المشركون فرسه بدارهم ثم ظهر المسلمون على الفرس فردوه عليه فهو راجل لأن سبب الاستحقاق انعقد له بالانفصالوهو راجل فلا يتغير بعد ذلك بوصول الفرس إلى يده في دار الحرب. كما لو اشترى فرساً ابتداء بخلاف الأول فهناك انعقد له السبب وهو فارس ثم اعترض ما نع باختياره فزال به تمكنه من القتال على الفرس فإذا ارتفع ذلك المانع صار كأن لم يكن وكذلك لو أنه دخل راجلاً ثم كتب إلى أهله حتى بعثوا إليه فرسه فهو راجل في جميع الغنائم بمنزلة ما لو اشترى فرساً آخر وهذا لأن التمكن من القتال على الفرس لا يصلح أن يكون مغيراً لما انعقد من السبب ويصلح أن يكون مقرراً له رافعاً للمانع الذي كان يمنع ظهور الحكم بعد انعقاد السبب. ولو كان دخل فارساً ثم رد فرسه إلى دارالإسلام واشترى فرساً آخر فله سهم الفرسان في جميع الغنائم لأنه كان متمكناً من القتال على الفرس بعدما لنعقد له سبب الاستحقاق. وإن وقعت المنازعة بينه وبين صاحب المقاسم فقال هو ما وصل فرسي إلى دار الإسلام حتى اشتريت هذا الفرس وقال صاحب المقاسم: لا أدري لعله كان وصل فرسك إلى دار الإسلام قبل أن تشتري هذا الفرس فأصبنا غنائم فالقول فيه قول الغازي مع يمينه لأنه ما لم يصل فرسه إلى دار الإسلام لا يصير هو في حكم الراجل. وصاحب المقاسم يدعي عليه شيئاًيصير به في حكم الراجل وهو منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه بمنزلة ما لو باع فرسه واشترى فرساً ثم قال: اشتريت هذا الفرس قبل أن أبيع فرسي أو بادلت بفرسي هذا الفرس فإنه يكون القول قوله مع يمينه لأنه لم يقر بكونه راجلاً في دار الحرب في شيء من الأحوال فهو منكر ما يدعي عليه من سبب الحرمان. ولو دخل مع العسكر راجلاً فأصابوا غنائم ثم رجع وحده إلى دار الإسلام فركب فرسه وكر إلى العسكر راجعاً فهو فارس في جميع ما أصيب إلا في غنيمة أصيبت قبل خروجه إلى دار الإسلام فإنه راجل في تلك الغنيمة لأنه استحق سهم الرجالة سهم الرجالة في تلك الغنيمة بالدخول الأول فلا يتغير ذلك بالدخول الثاني. وإن صار هو مدداً للجيش ملتحقاً بهم لأن التحاق المدد بالجيش لا يكون أقوى من القتال وقد بينا أن من له سهم الرجالة في غنيمة فقاتل عليها فارساً لا يستحق سهم الفرسان. وإذا قاتل فارساً عن غنيمة لا حق له فيها استحق سهم الفرسا فكذلك حكم التحاقه بالجيش. فإنه لا حق له فيما أصيب بعد خروجه فيستحق بهذا الالتحاق سهم الفرسان في ذلك وفيما أصيب قبل الخروج كان له سهم الرجالة. فلا يتغير ذلك وعلى هذا الأصل قال: لو دخل معه رجل من المسلمين فارساًفإن لهذا الثاني سهم الفارس في جميع الغنائم لأنه ما كان له حق فيها قبل أن يلتحق بالجيش. فإذا التحق بهم فارساً استحق سهم الفرسان في جميع ذلك بخلاف الأول على ما قررنا وهذا لأن الأول عاد ليحرز ما هو شريك فيه والثاني جاء ليحرز ما لم يكن له فيه شركة وإنما يصير هو شريكاً الآن ابتداءً فيراعى في صفة الشركة حالهالآن. ولو أعار الغازي فرسه في دار الحرب مسلماً ليخرج إلى دار الإسلام فيقضي حاجته ثم يرده إليه فلما دخل المستعير دار الإسلام لم يقدر على الرجوع إلى دار الحرب فدفعه إلى غيره ليبلغه صاحبه في دار الحر. فجاء به الرجل فدفعه إليه فإن كان الذي جاء به بعض من في عيال المستعير فلا ضمان عليه ولا علي الذي جاء به لأن يد من في عياله إلا فيما أصيب حال كون الفرس في دار الإسلام فهذا مثله. وإن لم يكن المدفوع إليه من عيال المستعير فالمعير راجل في كل ما أصيب بعد خروج الفرس إلى دار الإسلام إلى أن يعود إلى يده لأن الذي جاء به الآن غاصب للفرس فلا تكون يده عليه في دار الحر كيد المعير. ألا ترى أنه لو نفق الفرس في يد الذي جاء به كان للمعير الخيار إن شاء ضمن المستعير ولا يرجع هو على أحد بشء وإن شاء ضمن الذي جاء به ويرجع هو بما ضمن على المستعير وعلل فقال: لأنه بمنزلة الوديعة له في يده فهذاتنصيص على أنه ليس للمستعير أن يودع. وإذا فعله صار ضامناً بخلاف الإعارة فإن للمستعير أن يعير فيما لا يتفاوت الناس في الانتفاع به. وقد بينا اختلاف المشايخ في هذا الفصل في شرح الجامع الصغير وقررنا الفرق بين الإعارة والإيداع في حق المستعير. وأما الذي جاء به ليرده على صاحبه فهو راجل في جميع الغنائم وإن كان قصده القتالحين دخل وكان ينبغي أن يكون فارساً باعتبار أنه ضامن للفرس كالغاصب ولكن قال: هو ما أدخل الفرس ليغزوا عليه ولكن أدخله ليرده على صاحبه ولأ نالضمان غير مستقر. ألا ترى أن يرجع على المستعير إذا ضمنهفكيف يصير هو فارساً بفرس لو لحقه فيه ضمان يرجع به علعلى غيره. ألا ترى أن من كان راجلاً من الغزاة إذا أودعه رجل فرساً فأدخله مع نفسه دار الحرب لم يكن هو فارساً به فكذلك هذا. ولو كان المستعير أعاره هذا الداخل ليقاتل عليه والمسألة بحالها فالداخل فارس في كل غنيمة إلا فيما أصيب قبل خروج الفرس إلى دار الإسلام لأن الداخل الآن ضامن للفرس ضماناً يستقر عليه ولا يرجع به على أحد فيكون في حكم الغاصب وإنما دخل فارساً ليقاتل على الفرس فكان ينبغي على هذا أن يكون فارساً في كل غنيمة إلا أن فيما أصيب قبل حصول الفرس في دار الإسلام للمستعير سهم الفارس بسبب هذا الفرس فلا يستحق الغاصب فيه سهم الفارس أيضاً بهذا الفرس لاستحالة أن يستحق رجلان كل واحد منهما السهم بفرس واحد. وأما المستعير فلا شيء له في الغنائم إلا فيما أصيب قبل أن يبعد هو من العسكر فإن له في ذلك سهم راجل لأنه كان دخل مع الجيش راجلاً. وفيما سوى ذلك لا حق له لأنه لم يعد إلى العسكر ولم يشاركهم في الإصابة ولا في الإحراز ولا حكماً. ولو أراد الأمير أن يرسله رسولاً إلى دار الإسلام في شيء من أمر المسلمين فسأل فارساً أن يعطيه فرسه ففعل ذلك صاحب الفرس طائعاً ثم أصابوا غنائم والفرس في دار الإسلام فالمعير راجل في تلك الغنائم رجع إليه فرسه أو لم يرجع لأنه أزال تمكنه من القتال على الفرس باختياره. وإن أبى أن يعطيه الفرس ولم يجد الإمام بداً من أن يأخذ الفرس منه فيدفعه إلى الرسول لضرورة جاءت للمسلمين فلا بأس بأن يأخذه منه كرهاً لأنه نصب ناظراً وعند الضرورة يجوز له أن يأخذ مال الغير بشرط الضمان كمن أصابه مخمصة. ثم المعير يكون فارساً في جميع الغنائم هاهنا لأنه ما زال تمكنه من القتال على الفرس باختياره وإنما أخذ الفرس منه بغير اختياره فلا يصير هو مضيعاً للفرس. بمنزلة ما لو أخذه المشركون بل أولى لأن هناك لا منفعة للمسلمين في ذلك الأخذ وهاهنا لهم منفعة في ذلك فإذا لم يسقط هناك سهمه وإن زال تمكنه فهاهنا أولى أن لا يسقط سهمه. والله الموفق.
وإذا دخل العسكر دار الحرب ومعهم قوم من أهل الذمة يدلونهم على الطريق ولا يقاتلون معهم فإنه ينبغي للإمام أن يرضخ لهم م الغنيمة ولا يسهم له كسهام الخيل. ولا كسهام الرجالة لأنهم غير مجاهدين حكماً. ولا مقاتلين مع المسلمين حساً ولكنهم جاءوا لأمر فيه منفعة للمسلمين وهو الدلالة على الطريق فيرضخ لهم من مال المسلمين بحسب عملهم ليرغبوا في مثله في كل وقت حتى إذا كانت في دلالتهم منفعة عظيمة للمسلمين فلا بأس بأن يرضخ لهم على قدر ما يرى وإن كان أكثر من سهام الفرسان والرجالة لأن سبب استحقاقهم هاهنا ليس من جنس السبب في حق المقاتلين ولكنه منفعة أخرى فإنما يرضخ لهم بحسب ما يكون من المنفعة بدلالتهم. وإن كان جعل لهم على الدلالة نفلاً مسمى من الغنيمة فلا بأس بذلك أيضاً لأن التنفيل في الأصل للتحريض على ما فيه منفعة للمسلمين. فإن أصابوا غنائم بدأ بنفلهم قبل القسمة لأن النفل في الغنائم كالوصية في التركة يبدأ بها قبل الميراث. وإن لم يصيبوا شيئاً إلا قدر النفل فذلك سالم لهم لأنه مقدم في جميع الغنيمة بمنزلة الدين في التركة. وإن لم يصيبوا شيئاً أصلاً فلا شيء لهم لانعدام حقهم كما لا شي للغريم والموصى له إذا لم توجد التركة أصلاً. فإن خرجوا في غزاة أخرى وسموا لهم أيضاً نفلاً على الدلالة وأصابوا غنائم أعطوهم من ذلك النفل الآخر دون الأول لأن استحقاقهم بالتسمية الثانية فأما الأولى فقد بطلت الغنائم لانعدام محلها حين رجعوا قبل أن يصيبوا شيئاً. إلا أن يصيبوا شيئاً. إلا أن يكونوا شرطوا لهم أن يعطوهم مما يغنمون النفل الأول والثاني فحينئذ يجب الوفاء بذلك لأن في هذا الشرط تنصيصاً على تسمية الكل فيستحقون جميع ذلك بهذه التسمية. كما لو لم يكن الأول. وفيما يستحقه الذمي والحربي والمستأمن بطريق التنفيل على الدلالة لا فرق بين أن يذهب معهم وبين أن يدلهم بخبره من غير أن يذهب معهم إذا وجدوا الأمر على ما قال لأنه سمى ذلك على الدلالة والدلالة بالخبر تتحقق. إلا أنه إذا لم يذهب معهم فليس ينبغي للإمام أن يعطيهم رضخاً ولا نفلاً مما أصيب قبل دلالته لأنه لا نفل مما أصيب من الغنائم قبل التنفيل وإنما يجوز إعطاء الأجر من ذلك وبالدلالة بالخبر من غير ذهاب لا يستحق الأجر. فإن رضي المسلمون بأن يعطيه ذلك أعطاه من أنصبائهم دون الخمس لأن رضاهم يعتبر في حقهم لا في حق أرباب الخمس. وإن استأجره الإمام على أن يدله على موضع كذا فدله بخبره ولم يذهب معه فلا أجر له لما بينا أن استحقاق الأجر بالعمل لا بمجرد الكلام وهو لم يعمل للمسلمين شيئاً إنما أخبرهم بخبر. فإن أصابوا غنائم في ذلك المكان فرأى الإمام أن يرضخ له للدلالة فلا بأس بذلك بمنزلة ما لو دل عليه من غير اشتراط الأجر وقد بينا أن هناك للإمام أن يرضخ له مما أصاب بدلالته قدر ما يرى فهذا مثله. فإن كان الإمام قال له: اذهب معنا إلى موضع كذا ولك من الأجر كذا فذهب معهم فله الأجر المسمى لأنه وفى بالعمل المشروط عليه. ثم يعطيه الإمام أجره مما أصابوا بعد دلالته أو قبل دلالته بخلاف النفل والرضخ فإن الاستحقاق هاهنا بعقد لازم وهو عقد الإجارة فلا يختص به بعض المصاب دون البعض كما لو استأجر قوماً لسوق الغنم والرمك. فأما استحقاق الرضخ والنفل باعتبار منفعة المسلمين فيتعين له المصاب بدلالته وعمله لأن ذلك منفعة عمله. وإن لم يصيبوا شيئاً من الغنائم فإنه ينبغي للإمام أن يعطي الأجير أجره من بيت المال لأنه في هذا الاستئجار كان ناظراً للمسلمين وهو لا يلحقه العهدة فيما يباشر من العقود للمسلمين ولكنه يرجع به في مال المسلمين وهو مال بيت المال. ولو استأجر مسلماً أو ذمياً أو حربياً ليدخل معهم دار الحرب فيدلهم على الطريق فقد بينا أن الإجارة فاسدة على هذا بخلاف التنفيل لأن في الإجارة لا بد من بيان مقدار المعقود عليه وإذا لم يسم له مكاناً فالمعقود عليه لم يصر معلوماً وفي التنفيل لا حاجة إلى إعلام المقدار فيما سمى النفل للتحريض عليه. ثم إذا ذهب معهم على الإجارة الفاسدة فلا سهم له في الغنيمة وإن كان مسلماً لأنه لم يدخل على قصد القتال. ولكن له أجر مثله لا يجاوز به ما سمي لأنه أقام العمل المشروط عليه وقد وجد منه الرضى بالمسمى فلا يزاد على ذلك وإن مثله أكثر منه. ولو أن الأجير من أهل الذمة أو المستأمنين لم يدلهم على الموضع الذي طلبوا منه ولكن هجم بهم على العدو فلا أجر له. سواء ذهب معهم أو لم يذهب لأنه ما أتى بالعمل المشروط عليه. وليس للإمام أن يقتله وإن تعمد ذلك لأن المسلم لو فعل هذا لم يكن به ناقضاً لإيمانه فكذلك إذا فعله صاحب العهد لا يصير ناقضاً لأمانه. ولكن للإمام أن يؤدبه بقدر ما يرى إن رأى أنه كما يؤدب المسلم على مثله لأنه قصد إلحاق الضرر بالمسلمين. إلا أن يكون الحربي المستأمن إنما أمنوه على شرط ذلك فحينئذ للإمام أن يقتله لا باعتبار أنه ناقض للأمان ولكن لأن الأمان كان معلقاً بالشروط فيكون معدوماً قبل الشرط. وإن جعل الإمام للدليل نفلاً من غنيمة وقد أصابها المسلمون على أن يذهب معه إلى موضع كذا حتى يدله ففعل ذلك فلا بأس بأن يعطيه ذلك بغير رضى المسلمين لأن هذا بمنزلة الإجازة وقد استأجره على عمل معلوم ببدل معلوم فيعطيه ذلك من الغنيمة لأنه استأجر لمنفعة المسلمين. ولو دله بخير ولم يذهب معه فليس له أن يعطيه فيما أصيب قبل الدلالة شيئاً إلا برضى المسلمين وعند وجود الرضى يعطيه ذلك من أنصبائهم دون الخمس لأنه لا يستحق الأجر إلا على مجرد الخبر من غير أن يذهب معهم. ولو بعث الأمير بشيراً إلى الخليفة ليخبره بما صنع بالعدو بعدما أصابوا الغنائم فليس له أن يعطي البشير إلا سهمه من الغنيمة فارساً كان أم راجلاً لأن الغنيمة قد صارت مستحقة للغانمين فلا ينبغي للإمام أن يعطي منها أحداً شيئاً بغير رضى المسلمين. والأصل فيه حديث الكبة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لذلك الرجل: " أما نصيبي منها فهو لك " فحين تحرز رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يجعل له الكبة من الشعر مع حاجته إلى ذلك وسؤاله إياه وكان لا يمنع أحداً شيئاً سأله عرفنا أن ذلك لا يجووز لأحد بغده إلا أن البشير إن كان محتاجاً فلا بأس لإمام أن يعطيه من الخمس شيئاً لحاجته لأن الخمس مصروف إلى المحتاجين وهو محتاج. وقد كان يجوز له أن يدفعه من غير أن يرسله بشيراً فبعد إرساله أولى. فإن رضي المسلمون بما يعطي الإمام البشراء فإن كانوا أهل حاجة فلا بأس بأن يعطيهم ذلك من جميع الغنيمة وإن كانوا أغنياء أعطاهم ذلك من الأربعة الأخماس دون الخمس لأن رضاهم إنما يعتبر في نصيبهم دون الخمس. وإن كانوا محتاجين فقد كان له أن يعطيهم من الخمس بغير رضا الغانمين ورضاهم معتبر في نصيبهم أيضاً فإذا قدم البشراء على الخليفة فرأى أن يعطيهم جائزة من بيت المال على وجه النظر والاجتهاد فلا بأس بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيز الرسل والوفود الذين ينزلون عليه. وهذا لأن بيت المال معد لنوائب المسلمين والصرف إلى ما فيه منفعة المسلمين بخلاف الغنيمة فإنها مستحقة للغانمين. ألا ترى أنه يقسم الغنائم بين الغانمين ولا يقسم نال بيت المال بين الأغنياء من المسلمين ولكنه يعده لنوائب المسلمين. وكذلك لو أتى أمير العسكر رسول من ملك الحرب فليس ينبغي أن يجيزه بشيء من الغنيمة إلا برضى المسلمين لأنه إذا لم يجز له أن يخص بعض المسلمين بشيء منها فلأن لا يجوز له أن يخص حربياً بذلك كان أولى. فإن رضي المسلمون بذلك أجازه من أنصبائهم دون الخمس لأنه لا حق للحربي في الخمس ورضاهم إنما يعتبر في نصيبهم خاصة. فإن أجاز الأمير البشراء والرسل من الغنيمة على وجه الاجتهاد ثم رفع ذلك إلى قاض من قضاة المسلمين فإنه ينفذ ما صنع وإن كان رأيه مخالفاً لذلك لأن هذا مما يختلف فيه الفقهاء وقد أمضاه باجتهاده فلا يبطله حد بعد ذلك وقد قررنا هذا في التنفيل بعد الإصابة. واستدل عليه أيضاً بما لو جعل الأمير للمقاتلين من أسلاب القتلى من غير تنفيل ثم رفع ذلك إلى من يرى خلاف رأيه فإنه لا يبطل شيئاً مما فعله لأنه أمضى باجتهاده فصلاً مختلفاً فيه. ألا ترى أنه فيما هو أهم من ذلك وهو حرمة الفرج ينفذ قضاء القاضي باجتهاده فليس لأحد أن يبطله بعد ذلك وإن كان مخالفاً لرأيه حتى إذا قال لامرأته أنت خلية أو برية أو بائن أو بتة فإن عمر وابن مسعود - رضي الله عنهما - قالا: يقع به تطليقه رجعية. وقال علي - رضي الله عنه -: ثلاث تطليقات. فإن قضى قاض بأحد القضاءين ثم رفع إلى من يرى خلاف ذلك لم يبطل قضاؤه لأنه حصل في محل مختلف فيه وإبطال القضاء في المجتهدات يكون قضاء بخلاف الإجماع فيكون باطلاً وإذا ثبت هذا في تحريم الفرج مع كونه مبنياً على الاستقصاء ثبت في النفل بطريق الأولى والله أعلم.
|